أعرف نفسك
فصل كيف تعرف نفسك؟
إذا شئت أن تعرف نفسك، فاعلم أنك من شيئين: الأول: هذا القلب، والثاني: يسمى النفس والروح.
والنفس هو القلب الذي تعرفه بعين الباطن، وحقيقتك الباطن؛ لأن الجسد أول وهو الآخر، والنفس آخر وهو الأول. ويسمى قلباً.
وليس القلب هذه القطعة اللحمية التي في الصدر من الجانب الأيسر؛ لأنه يكون في الدواب والموتى. وكل شيء تبصره بعين الظاهر فهو من هذا العالم الذي يسمى عالم الشهادة.
وأما حقيقة القلب، فليس من هذا العالم، لكنه من عالم الغيب؛ فهو في هذا العالم غريب، وتلك القطعة اللحمية مركبة، وكل أعضاء الجسد عساكره وهو الملك، ومعرفة الله ومشاهدة جمال الحضرة صفاته، والتكليف عليه، والخطاب معه، وله الثواب، وعليه العقاب، والسعادة والشقاء تلحقانه، والروح الحيواني في كل شيء تبعه ومعه.
ومعرفة حقيقته، ومعرفة صفاته، مفتاح معرفة الله سبحانه وتعال؛ فعليك بالمجاهدة حتى تعرفه؛ لأنه جوهر عزيز من جنس جوهر الملائكة، وأصل معدنه من الحضرة الإلهية، من ذلك المكان جاء، وإلى ذلك المكان يعود.
ما حقيقة القلب؟
أما سؤالك: ما حقيقة القلب؟ فلم يجئ في الشريعة أكثر من قول الله تعالى: (وَيَسأَلونَكَ عَنِ الروحِ قُلِ الروحُ مِن أَمرِ رَبّي) .. لأن الروح من جملة القدرة الإلهية، وهو من عالم الأمر، قال الله عز وجل: (أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ) .
فالإنسان من عالم الخلق من جانب، ومن عالم الأمر من جانب؛ فكل شيء يجوز عليه المساحة والمقدار والكيفية فهو من عالم الخلق. وليس للقلب مساحة ولا مقدار؛ ولهذا لا يقبل القسمة، ولو قبل القسمة لكان من عالم الخلق، وكان من جانب الجهل جاهلاً ومن جانب العلم عالماً، وكل شيء يكون فيه علم وجهل فهو محال. وفي معنى آخر هو من عالم الأمر؛ لأن عالم الأمر عبارة عن شيء من الأشياء لا يكون للمساحة والتقدير طريق إليه.
وقد ظن بعضهم:) أن الروح قديم (فغلطوا.
وقال قوم:) إنه عرض (، فغلطوا؛ لأن العرض لا يقوم بنفسه، ويكون تابعاً لغيره. فالروح هو أصل ابن آدم، وقالب ابن آدم تبع له؛ فكيف يكون عرضا؟! وقال قوم:) إنه جسم (، فغلطوا؛ لأن الجسم يقبل القسمة. فالروح الذي سميناه قلبا، وهو محل معرفة الله تعالى، ليس بجسم، ولا عرض، بل هو من جنس الملائكة.
ومعرفة الروح صعبة جداً؛ لأنه يرد في الدين طريق إلى معرفته؛ لأنه لا حاجة في الدين إلى معرفته؛ لأن الدين هو المجاهدة، والمعرفة علامة الهداية كما قال سبحانه وتعال: (وَالَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا) . ومن لم يجتهد حق اجتهاده لم يجز أن يتحدث معه في معرفة حقيقة الروح. وأول أس المجاهدة أن تعرف عسكر القلب؛ لأن الإنسان إذا لم يعرف العسكر لم يصح له الجهاد.
يتبع.......
تعليقات
إرسال تعليق