فضائل قيام الليل 2
يروى عن عبادة بن الصامت وربيعة الجرشي والحسن وكعب من قولهم قال بعض السلف: قيام الليل يهون طول القيام يوم القيامة وإذا كان أهله يسبقون إلى الجنة بغير حساب فقد استراح أهله من طول الموقف للحساب.
وفي حديث أبي أمامة وبلال المرفوع: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وإن قيام الليل قربة إلى الله تعالى وتكفير للسيئات ومنهاة عن الإثم ومطردة للداء عن الجسد" خرجه الترمذي ففي.
هذا الحديث أن قيام الليل يوجب صحة الجسد ويطرد عنه الداء وكذلك صيام النهار.
ففي الطبراني من حديث أبي هريرة مرفوعا: "صوموا تصحوا" وكما أن قيام الليل يكفر السيئات فهو يرفع الدرجات وقد ذكرنا أن أهله من السابقين إلى الجنة بغير حساب.
وفي حديث المنام المشهور الذي خرجه الإمام أحمد والترمذي: "إن الملأ الأعلى يختصمون في الدرجات والكفارات" وفيه "إن الدرجات إطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام" وفي المسند والترمذي وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه: "إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها من ظاهرها وإنها لأهل هذه الخصال الثلاثة" .
وفي حديث عبد الله بن سلام المشهور المخرج في السنن: أنه أول ما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند قدومه المدينة: "يا أيها الناس اطعموا الطعام وافشوا السلام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام".
ومن فضائل التهجد: أن الله تعالى يحب أهله ويباهي بهم الملائكة ويستجيب دعائهم روى الطبراني وغيره من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم ـ فذكر منهم الذي له له امرأة حسناء وفراش حسن فيقوم من الليل فيقول الله تعالى: يذر شهوته فيذكرني ولو شاء رقد والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا قام من السحر في سراء وضراء"
وخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة يحبهم الله ـ فذكر منهم ـ وقوم ساروا ليلهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به فوضعوا رؤوسهم فقام يتملقني ويتلو آياتي" وصححه الترمذي.
وفي المسند عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاته فيقول ربنا تبارك وتعالى: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي ثار من فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي ورجل غزا في سبيل الله عز وجل وانهزم أصحابه وعلم ما عليه في الانهزام وماله في الرجوع فرجع حتى إهريق دمه فيقول الله عز وجل لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رجاء فيما عندي وشفقة مما عندي حتى إهريق دمه" رواه أحمد وذكر بقية الحديث وقوله ثار فيه إشارة إلى قيامه بنشاط وعزم.
ويروى من حديث عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يضحك إلى ثلاثة نفر رجل قام من جوف الليل فأحسن الطهور فصلى ورجل نام وهو ساجد ورجل في كتيبة منهزمة فهو على فرس جواد لو شاء أن يذهب لذهب" وخرجه ابن ماجة من رواية مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليضحك إلى ثلاثة: الصف في الصلاة والرجل يصلي في جوف الليل والرجل يقاتل أراه قال: خلف الكتيبة".
وروينا من حديث أبان عن أنس عن ربيعة بن وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث مواطن لا ترد فيها دعوة رجل يكون في برية حيث لا يراه أحد فيقوم فيصلي فيقول الله لملائكته: أرى عبدي هذا يعلم أن له ربا يغفر الذنب فانظروا ما يطلب؟ فتقول الملائكة: إي رب رضاك ومغفرتك فيقول: اشهدوا أني قد غفرت له.
ورجل يقوم من الليل فيقول الله عز وجل: أليس قد جعلت الليل سكنا والنوم سباتا فقام عبدي هذا يصلي ويعلم أن له ربا فيقول الله لملائكته: انظروا ما يطلب عبدي هذا؟ فتقول الملائكة: يا رب رضاك ومغفرتك فيقول: اشهدوا أني قد غفرت له".
وذكر الثالث: الذي يكون في فئة فيفر أصحابه ويثبت هو وهو مذكور أيضا في كل الأحاديث المتقدمة.
وفي المسند وصحيح ابن حبان عن عقبة عن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رجلان من أمتي يقوم أحدهما من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عقد فيتوضأ فإذا وضأ يديه انحلت عقدة وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة وإذا مسح رأسه انحلت عقدة وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة فيقول الرب عز وجل للذين وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ما سألني عبدي هذا فهو له" .
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعم الرجل عبد الله ـ يعني ابن عمر ـ لو كان يصلي من الليل" فكان عبد الله لا ينام بعد ذلك من الليل إلا قليلا.
كان أبو ذر رضي الله عنه يقول للناس: أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفرا أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه؟ قالوا: بلى قال: فسفر طريق القيامة أبعد فخذوا له ما يصلحكم حجوا حجة لعظائم الأمور صوموا يوما شديدا حره لحر يوم النشور صلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير..
أين رجال الليل أين الحسن وسفيان قال:
يارجل الليل جدوا
... رب داع لا يرد
ما يقوم الليل إلا
... من له عزم وجد
ليس شيء كصلاة
... الليل للقبر يعد
صلى كثير من السلف صلاة الصبح بوضوء العشاء عشرين سنة ومنهم من صلى كذلك أربعين سنة قال بعضهم: منذ أربعين سنة ما أحزنني إلا طلوع الفجر قال ثابت: كابدت قيام الليل عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة أخرى.
أفضل قيام الليل وسطه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل القيام قيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الصارخ يقوم للصلاة والصارخ: الديك وهو يصيح وسط الليل.
وخرج النسائي عن أبي ذر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الليل خير؟ قال: "جوفه"
وخرج الإمام أحمد عن أبي ذر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي قيام الليل أفضل؟ قال: " جوف الليل الغابر أو نصف الليل وقليل فاعله"
وخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله أي الصلاة أفضل؟ قال: "جوف الليل الأوسط" قال: أي الدعاء أسمع؟ قال: "دبر المكتوبات" وخرجه الترمذي والنسائي ولفظهما: أنه سأله أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات"
وخرج الترمذي من حديث عمرو بن عنبسة سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن".
ويروى أن داود عليه السلام قال: يا رب أي وقت أقوم لك؟ قال: لا تقم أول الليل ولا آخره ولكن قم وسط الليل حتى تخلوا بي وأخلو بك وارفع إلي حوائجك.
وفي الأثر المشهور: كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني أليس كل محب يحب خلوة حبيبه فها أنا ذا مطلع على أحبابي إذا جنهم الليل جعلت أبصارهم في قلوبهم فخاطبوني على المشاهدة وكلموني على حضوري غدا أقر أعين أحبابي في جناني.
الليل لي ولأحبابي أحادثهم
... قد اصطفيتهم كي يسمعوا ويعوا
"لهم قلوب بأسراري بها ملئت
... على ودادي وإرشادي لهم طبعوا
سروا فما وهنوا عجزا ولا ضعفوا
... وواصلوا حبل تقريبي فما انقطعوا
ما عند المحبين ألذ من أوقات الخلوة بمناجاة محبوبهم هو شفاء قلوبهم ونهاية مطلوبهم.
كتمت اسم الحبيب من العباد
... ورددت الصبابة في فؤادي
فيا شوقا إلى بلد خلي
... لعلى اسم من أهوى أنادي
كان داود الطائي يقول في الليل: همك عطل علي الهموم وحالف بيني وبين السهاد وشوقي إلى النظر إليك أوثق مني اللذات وحال بيني وبين الشهوات .
وكان عتبة الغلام يقول في مناجاته بالليل: إن تعذبني فإني لك محب وإن ترحمني فإني لك محب.
لو أنك أبصرت أهل الهوى
... إذا غارت الأنجم الطلع
فهذا ينوح على ذنبه
... وهذا يصلي وذا يركع
من لم يشاركهم في هواهم ويذوق حلاوة نجواهم لم يدر ما الذي أبكاهم من لم يشاهد جمال يوسف لم يدر ما الذي آلم قلب يعقوب.
من لم يبت والحب حشو فؤاده
... لم يدر كيف تفتت الأكباد ...
للحديث تتمة يتبع بإذن الله...
يرجى التنبيه في حال الخطأ او النسيان....
من كتاب لطائف المعارف لابن رجب رحمه الله واسكنه الفردوس الاعلى....
#علي_العمري_معا_نرتقي
تعليقات
إرسال تعليق