من اروع الخواطر
كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار كتابا قال فيه: قولوا كما قال أبوكم آدم عليه السلام:
قال تعالى
(قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
[سورة اﻷعراف 23]
وقولوا كما قال نوح:
قال تعالى
(قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
[سورة هود 47]
وقولوا كما قال موسى:
قال تعالى
(قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
[سورة القصص 16]
وقولوا كما قال ذو النون:
قال تعالى
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
[سورة اﻷنبياء 87]
واعتراف المذنب بذنبه مع الندم عليه توبة مقبولة قال الله عز وجل:
(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
[سورة التوبة 102]
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه" وفي دعاء الإستفتاح الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح به: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" .
وفي الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للصديق أن يقوله في صلاته: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم".
وفي حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "سيد الإستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" .
الإعتراف يمحو الإقتراف كما قيل:
فإن اعتراف المرء يمحو إقترافه
كما أن إنكار الذنوب ذنوب
لما أهبط آدم من الجنة بكى على تلك المعاهد فيما يروى ثلاثمائة عام وحق له ذلك كان في دار لا يجوع فيها ولا يعرى ولا يظمأ فيها ولا يضحى فلما نزل إلى الأرض أصابه ذلك كله وكان إذا رأى جبريل عليه السلام يتذكر برؤيته تلك المعاهد فيشتد بكاؤه حتى يبكي جبريل عليه السلام لبكائه ويقول له: ما هذا البكاء يا آدم فيقول: وكيف لا أبكي وقد أخرجت من دار النعمة إلى دار البؤس
فقال له بعض ولده: لقد آذيت أهل الأرض ببكائك فقال إنما أبكي على أصوات الملائكة حول العرش.
وفي رواية قال: إنما أبكي على جوار ربي في دار تربتها طيبة أسمع فيها أصوات الملائكة.
وفي رواية قال: أبكي على دار لو رأيتها لزهقت نفسك شوقا إليها.
وروي أنه قال لولده: كنا نسلا من نسل السماء خلقنا كخلقهم وغذينا بغذائهم فسبانا عدونا إبليس فليس لنا فرحة ولا راحة إلا الهم والعناء حتى نرد إلى الدار التي أخرجنا منها.
فحنى على جنات عدن فإنها
منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبى العدو فهل ترى
نعود إلى أوطاننا ونسلم
لما التقى آدم وموسى عليهما السلام عاتب موسى آدم على إخراجه نفسه وذريته من الجنة فاحتج آدم بالقدر السابق والإحتجاج بالقدر على المصائب حسن كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل".
والله لولا سابق الأقدار
لم تبعد قط داركم عن داري
من قبل النأي جزية المقدار
هل يمحو العبد ما قضاه الباري
لما ظهرت فضائل آدم عليه السلام على الخلائق بسجود الملائكة له وبتعليمه أسماء كل شيء وإخباره الملائكة بها وهم يستمعون له كاستماع المتعلم من معلمه حتى أقروا بالعجز عن علمه وأقروا له بالفضل وأسكن هو وزوجته الجنة ظهر الحسد من إبليس وسعى في الأذى ـ وما زالت الفضائل إذا ظهرت تحسد:
لا مات حسادك بل خلدوا
حتى يروا منك الذي يكمد
لا زلت محسودا على نعمة
فإنما الكامل من يحسد
فما زال يحتال على آدم حتى تسبب في إخراجه من الجنة وما فهم الأبله أن آدم إذا خرج منها كملت فضائله ثم عاد إلى الجنة على أكمل من حاله الأول إنما أهلك إبليس العجب بنفسه ولذلك قال
قال تعالى
(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)
[سورة اﻷعراف 12]
وإنما كملت فضائل آدم باعترافه على نفسه:
قال تعالى
(قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
[سورة اﻷعراف 23]
كان إبليس كلما أوقد نار الحسد لآدم فاح بها ريح طيب آدم واحترق إبليس:
وإذا أراد الله نشر فضيلة
طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يعرف طيب عرف العود
قال بعض السلف: آدم أخرج من الجنة بذنب واحد وأنتم تعلمون الذنوب وتكثرون منها وتريدون أن تدخلوا بها بها الجنة كما قيل:
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجى
درج الجنان بها وفوز العابد
ونسيت أن الله أخرج آدما
منها إلى الدنيا بذنب واحد
احذروا هذا العدو الذي أخرج أباكم من الجنة فإنه ساع في منعكم من العود إليها بكل سبيل والعداوة بينكم وبينه قديمة فإنه ما أخرج من الجنة وطرد عن الخدمة إلا بسبب تكبره على أبيكم وامتناعه من السجود له لما أمر به وقد أيس من الرحمة وأيس من العود إلى الجنة وتحقق خلوده في النار فهو يجتهد على أن يخلد معه في النار بني آدم بتحسين الشرك فإن عجز قنع بما دونه من الفسوق والعصيان وقد حذركم مولاكم منه وقد أعذر من أنذر فخذوا حذركم:
قال تعالى
(يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)
[سورة اﻷعراف 27]
العجب ممن عرف ربه ثم عصاه وعرف الشيطان ثم أطاعه:
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)
[سورة الكهف 50]
رعى الله من نهوى وإن كان ما رعي
حفظنا له العهد القديم فضيعا
وصاحبت قوما كنت أنهاك عنهم
وحقك ما أبقيت للصلح موضعا
لما أهبط آدم إلى الأرض وعد العود إلى الجنة هو ومن آمن من ذريته واتبع الرسل:
قال تعالى
(يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ۙ فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
[سورة اﻷعراف 35]
فليبشر المؤمنون بالجنة هي اقطاعهم وقد وصل منشور الإقطاع مع جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
[سورة البقرة 25]
إنما خرج الإقطاع عمن خرج عن الطاعة فأما من تاب وآمن فالإقطاع مردود عليه المؤمنون في دار الدنيا في سفر جهاد يجاهدون فيه النفوس والهوى فإذا انقضى سفر الجهاد عادوا إلى وطنهم الأول الذي كانوا فيه في صلب آدم تكفل الله للمجاهد في سبيله أن يرده إلى وطنه بما نال من أجر أو غنيمة.
*يرجى التنبيه في حال الخطأ او النسيان بارك الله فيكم...
من كتاب لطائف المعارف لابن رجب رحمه الله واسكنه الفردوس الاعلى...
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمِ مَغْفِرَتِكَ وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالفَوْزَ بِالجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ ...
Telegram.me/alomariali
تعليقات
إرسال تعليق