حكم من ذهب
اتخذ من الفشل سلما للنجاح، ومن الهزيمة طريقا إلى النصر، ومن المرض فرصة للعابدة، ومن الفقر وسيلة إلى الكفاح، ومن الآلام بابا إلى الخلود، ومن الظلم حافزا للتحرر، ومن القيد باعثا على الانطلاق.
قال احد الحكماء
ما الإخوان ولا الأعوان ولا الأصدقاء إلا بالمال
ووجدت من لا مال له،
إذا أراد أمرا قعد به العدم عما يريده:
كالماء الذي يبقى في الأودية من مطر الشتاء: لا يمر إلى نهر ولا يجري إلى مكان، فتشربه أرضه.
ووجدت من لا إخوان له لا أهل له، ومن لا ولد له لا ذكر له
ومن لا مال له لا عقل له، ولا دنيا ولا آخرة له
لأن الرجل إذا افتقر قطعه أقاربه وإخوانه
فإن الشجرة النابتة في السباخ، المأكولة من كل جانب، كحال الفقير المحتاج إلى ما في أيدي الناس.
ووجدت الفقر رأس كل بلاء، وجالبا إلى صاحبه كل مقت، ومعدن النميمة.
ووجدت الرجل إذا افتقر اتهمه من كان له مؤتمنا
وأساء به الظن من كان يظن فيه حسنا
فإن أذنب غيره كان هو للتهمة موضعا.
وليس من خلة هي للغني مدح إلا وهي للفقير ذم.
فإن كان شجاعا قيل: أهوج
وإن كان جوادا سمي مبذرا
وإن كان حليما سمي ضعيفا
وإن كان وقورا سمي بليدا.
فالموت أهون من الحاجة التي تحوج صاحبها إلى المسألة
ولا سيما مسألة الأشحاء واللئام
فإن الكريم لو كلف أن يدخل يده في فم الأفعى، فيخرج منه سما فيبتلعه كان ذلك أهون عليه وأحب إليه من مسألة البخيل اللئم.
ووجدت البلاء في الدنيا إنما يسوقه الحرص والشره، ولا يزال صاحب الدنيا في بلية وتعب ونصب، ووجدت تجشم الأسفار البعيدة في طلب الدنيا أهون علي من بسط اليد إلى السخى بالمال، ولم أر كالرضا شيئا
ورد عليه آخر
لا شيء من سرور الدنيا يعدل صحبة الإخوان، ولا غم فيها يعدل البعد عنهم.
وجربت: فعلمت أنه لا ينبغي للعاقل أن يلتمس من الدنيا غير الكفاف الذي يدفع به الأذى عن نفسه
وهو اليسير من المطعم والمشرب، إذا اشتمل على صحة البدن ورفاهة البال.
ولو أن رجلا وهبت له الدنيا بما فيهان لم يك ينتفع من ذلك إلا بالقليل الذي يدفع به عن نفسه الحاجة
وقد سمعت كلامي، وما أحسن ما تحدثت به! إلا أني رأيتك تذكر بقايا أمور هي في نفسك.
واعلم أن
حسن الكلام لا يتم إلا بحسن العمل
وأن المريض الذي قد علم دواء مرضه إن يتداو به، لم يغن به شيئا، ولم يجد لدائه راحة ولا خفة.
فاستعمل رأيك، ولا تحزن لقلة المال: فإن الرجل ذا المروءة قد يكرم على غير مال:
كالأسد الذي يهاب وإن كان رابضا
والغني الذي لا مروءة له يهان وإن كان كثير المال:
كالكلب لا يحفل به، وإن طوق وخلخل بالذهب.
فلا تكبرن عليك غربتك: فإن العاقل لا غربة له: كالأسد الذي لا ينقلب إلا ومعه قوته.
فلتحسن تعاهدك لنفسك: فإنك إذا فعلت ذلك جاءك الخير يطلبك كما يطلب الماء انحداره.
وإنما جعل الفضل للحازم البصير بالأمور، وأما الكسلان المتردد فإن الفضل لا يصحبه.
وقد قيل في أشياء ليس لها ثبات ولا بقاء:
ظل الغمامة في الصيف، وخلة الأشرار، والبناء على غير أساس، والمال الكثير
فالعاقل لا يحزن لقلته، وإنما مال العاقل عقله، وما قدم من صالح، فهو واثق بأنه لا يسلب ما عمل ولا يوآخذ بشيء لم يعمله، وهو خليق ألا يغفل عن أمر أخرته: فإن الموت لا يأتي إلا بغتة، ليس له وقت معين.
وأنتم عن موعظتي غني بما عندكم من العلم.
ولكن رأيت أن أقضي مالكم من حق قبلنا: لأنكم إخواننا وما عندنا من النصح مبذول لكم.
وإن أولى أهل الدنيا بشدة السرور من لا يزال عنده من الاخوان جماعة يسرهم ويسرونه، ويكون من وراء أمورهم وحاجاتهم بالمرصاد فإن الكريم إذا عثر لا يأخذ بيده إلا الكرام كالفيل إذا وحل لا تخرجه إلا الفيلة.
اسعد الله اوقاتكم بكل خير...
تعليقات
إرسال تعليق