الأمن الخارجي في الاتجاه الاسلامية 2

الأمر الثاني: تحقيق المطالب الأساسية في الطبيعة الإنسانية بحكمة واعتدال، وهذه الحاجات تنقسم -بصفة عامة- إلى قسمين:
هما الحاجات الروحية والحاجات الحسية
وأهمية الأولى لا تقل عن الثانية؛
لأن الروح موجودة في الطبيعة الإنسانية، أودعها الله في الإنسان لمعرفته وللاتصال به، ولتدفع الإنسان إلى تحمل مسئولياته الإنسانية في هذه الحياة، وهي وإن كانت غامضة من حيث كنهها وجوهرها فهي ظاهرة من حيث آثارها في السلوك، وفاعليتها في الأبدان، وهي متأصلة في الإنسان بالفطرة.
وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من أن تكون لها مطالب تنشط بتحقيقها وتبذل وتضيق بالحرمان منها، من أجل هذا قرر الإسلام لها نصيبا من حياة الإنسان في نظامه الخلقي. والحياة الروحية كما قررها الإسلام هي:
أداء العبادات المختلفة من الصلاة والصوم والحج والزكاة، وتذكر الله دائما بأنه خالقه ورازقه، وهو الذي يستمد منه العون ويعتمد عليه في كل شيء؛ لأن الأمر بيده، وهو على كل شيء قدير، وأن يتذكر أن هذه الحياة مؤقتة ستتحول في النهاية -إن أحسن الإنسان عمله- إلى حياة أبدية ملؤها السعادة والهناء، ولهذه الحياة الروحية دور كبير في سعادة الإنسان، ذلك أن الإنسان عندما يحيا هذه الحياة يشعر بالاطمئنان والراحة في أعماق قلبه؛
لأنه يحس دائما في قرارة نفسه بأن الله راض عنه وأنه سيكلؤه ويحفظه، وهو بعد ذلك يتطلع إلى حياة صافية من الأحزان والآلام؛
ولأنه يرى أن الموت لا يقطع عليه حياته بل ينقله من حياة مؤقتة إلى حياة دائمة، وأن الأعمال التي يؤديها هنا وإن لم يجن ثمارها كلها أو بعضها هنا سوف يجنيها هناك، ولهذا كله فإن هؤلاء الذين يحبون هذه الحياة تبتسم سريرتهم بالرغم من الشدائد التي يعانون منها والصعوبات التي يخوضونها.

أما الذين أهملوا الروح، ولم يعطوها حقها من الحياة فهم في ضيق وحرج ولا سيما عند الأزمات والمصائب يزعجهم خوف الموت، ويقلقهم ضياع الحقوق، وعدم استيفائهم ثمار أعمالهم -ويؤدي بهم هذا الضيق والحرج أحيانا- إلى الذبحة الصدرية أو الانتحار، ولقد أدرك هذه الحقيقة العالم الفرنسي الدكتور ألكسيس كارل، فهو يقول: "ومن الغريب أن الإنسان الحديث قد استبعد من الحقيقة الواقعية كل عامل نفسي "روحي" وبنى لنفسه وسطا ماديا بحتا، غير أن هذا العالم لا يلائمه قط، بل نراه يصاب فيه بالانهيار..
فيبدوا -جيدا- أنه يجب على البشرية المتحضرة لكي تتجنب ترديها النهائي في وهدة التنافر والفوضى، أن تعود إلى الدين القويم في ذلك العالم الفاخر الصارم الذي يعيش فيه علماء الطبيعة والفلك..
فالعالم الحديث يبدو لنا كالثوب المفرط في الضيق بمجرد أن يطبعه مذهب الحرية الفردية أو المذهب الماركسي بطابعه.
ومما لا يقبله العقل أن يصبح الواقع الخارجي أضيق من أن يشمله الإنسان في كليته، وألا يكون تركيبه متفقا مع تركيبنا من بعض الوجوه
فمن الحكمة إذن أن نجعل لعالم الروح الموضوعية نفسها التي لعالم المادة"{ تأملات في سلوك الإنسان، الدكتور الكسيس كارل. ت. محمد القصاص. مراجعة د. محمود قاسم ص ١٧٣-١٧٤}

، ويهاجم المتحضرين فيقول: "فهم يتوهمون أن تربية الذكاء تضاهي تربية الروح، ولم يكتشفوا بعد أن هناك إلى جانب التفكير المنطقي ضروبا أخرى من النشاط الروحي الضرورية حتى يكون السلوك في الحياة سلوكا عقليا، وقد ردت الحياة على هذا الجهل بجواب بطيء صامت بدت مظاهره جلية.. في الزحف التدريجي للقبح والقذارة والفظاظة والسكر وشهوة الترف وحب السلامة والحسد والنميمة والبغض المتبادل.. والنفاق والكذب والخيانة، هكذا أجابت الحياة بطريقة آلية على رفض الخضوع لقانون الارتقاء الروحي فقضت على نفسها بالانحطاط والانحلال"{ تأملات في سلوك الإنسان، الدكتور الكسيس كارل. ت. محمد القصاص. مراجعة د. محمود قاسم ص ٧٨}

وهكذا نرى فداحة الخطأ الذي يرتكبه هؤلاء الذين يضعون نظاما للناس ويهملون فيه الجانب الروحي بقصد أو بغير قصد.

وأما الحاجات الحسية الأساسية في الإنسان
(هذا ما سنتحدث عنه في المرة القادمة بإذن الله.....انتظرونا يتبع)

اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين واشف مرضانا ومرضى المسلمين اللهم امين

▪صفاء النفس وسلامة القلب من الحقد والحسد ، وحب الخير للناس ، والفرح بإشراقهم ونجاحهم ، هي أعظم رصيد لسعادة الدنيا وفلاح الآخرة

#علم_الأخلاق_الإسلامية
#معا_نرتقي_علي_العمري

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة