للحياة غاية
أننا نجد هناك نصوصا إسلامية أخرى تذم الحياة الدنيا وطلاب هذه الحياة.
ولكن لا ينبغي أن نظن وجود تناقض بين تلك النصوص، كما قد يبدو للنظرة السطحية، وإنما هذا الانقسام الظاهري من نظرة الإسلام إلى الحياة المادية من زاويتين مختلفتين؛
لأنه يريد بذلك أن يكشف لنا عن منهجه في الحياة وفلسفته فيها، وربما كان انقسام النصوص بهذا الشكل حول الحياة المادية، وإذا شرحنا الزاويتين السابقتين بدا لنا موقف الإسلام من هذه الحياة بوضوح.
أما الزاوية التي منها ذم الحياة فهي زاوية الماديين: وهي أن هذه الحياة غاية لا وسيلة، وأنها مستقلة لا صلة لها بحياة بعدها، بل هي الحياة ولا حياة بعدها، وعندما نظر الإسلام إليها من هذه الزاوية وبهذا الاعتبار ذمها وذم المنهمكين فيها؛ لأنها حياة عارضة زائلة، وفيها أحزان وآلام ومشقة، فهي بهذه النظرة لا تساوي شيئا ولا جناح بعوضة، بالنسبة إلى حياة مقدرة للإنسان بعد موته، ولهذا قال الرسول: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء".
حقا إنها لا تساوي جناح بعوضة حين نقيسها بالحياة الأخروية، ومن هنا يستحق الذم هؤلاء الذين يتخذونها مجمع همهم ومبلغ سعيهم فلا يرجون الآخرة من بعدها،
قال تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)
[سورة إبراهيم 3]
وكل الآيات والأحاديث التي تذم الحياة المادية وأهلها، إنما تذمها بهذا الاعتبار ومن هذه الزاوية.
يريد الإسلام بذلك أن يبين للناس أنه ينبغي ألا تتخذ هذه الحياة غاية في ذاتها؛ لأنه أمر لا يليق بهم، فقد خلقوا لهدف أعلى أو غاية كبرى وهي:
تلك الحياة الأبدية السعيدة وهذه الحياة هي الجديرة بأن يعمل المرء من أجلها، وحقيق أن يتخذها غاية.
وأما الزاوية الثانية: فهي أن هذه الحياة ما هي إلا وسيلة لحياة أخرى أو مقدمة لها، يجب استغلالها لتلك الحياة واشتراؤها بها، فمن هذه الزاوية وبهذا الاعتبار نرى الإسلام يمدح الحياة ويهتم بها، وكان اهتمامه بها على النحو التالي
أولا: تنظيمها تنظيما اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وقضائيا.
ثانيا: دعوة الناس إلى أخذ نصيبهم منها، من مأكل ومشرب وزواج وملبس ومسكن، وكل ما يحتاج إليه الإنسان بحكم الغريزة والطبع،
قال تعالى:
(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ)
[سورة المائدة 88]
كما وبخ الذين يمنعون الناس من هذه المتعة التي أخرجها لعباده:
قال تعالى
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)
[سورة اﻷعراف 32]
وما أحسن الإشارة هنا إلى أن نعيم هذه الدنيا خلق للمؤمنين، وإذا اشترك معهم الكفار في التمتع به فلن يشتركوا معهم في نعيم الجنة في الآخرة، نعيم لا يخالطه غم ولا مشقة، ثم إن الإسلام يعتبر هذه الحياة كلها سبيل الله إلى الجنة التي أعدها الله للسالكين سبيله، فهو داخل فيها في نهاية المطاف بالوعد الذي قطعه على نفسه، وبذلك تكون لهذه الحياة أهمية كبرى في نظر الإسلام، وتعطي لها قيمة لا يساويها شيء إلا تلك الحياة الأبدية، ذلك أنها وإن كانت لا تساوي شيئا في حد ذاتها بالنسبة لتلك الحياة إلا أنها لما كان من الممكن أن تشتري بها الجنة فإن قيمتها تساوي الجنة بهذا الاعتبار، ومن هذا كله تبين لنا أنه لا تعارض بين هذه النصوص المتعلقة بشئون الحياة،
وأن النظرتين فيها تمثلان فلسفة الإسلام في الحياة ومنهجه فيها، ومن ثم تبين خطأ الذين نبذوا هذه الحياة استنادا إلى تلك النصوص، كما تبين خطأ أولئك الذين ينهمكون في ملذات هذه الحياة، ويتمتعون كالأنعام تاركين كل الجوانب الأخرى والواجبات الإلهية والإنسانية وكأنهم خلقوا من أجل هذه المتعة الحسية فقط، ولهذا كله قال تعالى:
(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
[سورة القصص 77]
الأمر الثالث: الذي أمر به الإسلام لكمال الصحة هو الاعتدال في الحياة والتصرف فيها طبقا للحكمة سواء كان في ميدان إشباع الدوافع والمطالب الأساسية أم في ميدان العمل أيا كان نوع هذا العمل وشكله.
أما في ميدان إشباع الدوافع أو الحاجات الاساسية؛ فإن الإسلام قد قرر بصورة عامة إشباعها؛ لأن عدم إشباعها يؤدي إلى الشعور بالكآبة والضيق والحرمان، كما يؤدي إلى حدوث بعض الأعراض والأمراض، مثل: الأنيميا "فقر الدم" والعته والآم المفاصل وتصلب الشرايين، وما إلى ذلك.
والأمر كذلك في الإفراط في إشباعها، والانهماك في الملذات الحسية أو بعضها فقد تؤدي كثرة الأكل والشرب -مثلا- إلى التخمة والسكتة القلبية، والإفراط في الجنس يؤدي إلى إتلاف بعض الأنسجة والخلايا التي لا يستطيع تعويضها فيما بعد، وبالتالي يؤدي ذلك في النهاية إلى بعض الأمراض الفسيولوجية.( انظر تأملات في سلوك الإنسان للدكتور ألكسيس كارل ص ١١٧.
الترجمة العربية، انظر كذلك كتاب: قلبك وكيف تحافظ عليه، تأليف ألتون باكسل، ترجمة الدكتور أحمد بدارن ص١١٦)
ولهذا كله منع الإسلام الإفراط في الأكل والشرب والملذات الأخرى فقال تعالى:
(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)
[سورة اﻷعراف 31]
(احبتي للموضوع بقية يتبع بإذن الله انتظرونا......)
▪جمَال الرُوحَ هُو الشيَءْ الوحِيدَ الذيَ يسْتطيعُ حتى الأعمَئ أنْ يراه
لذلك ﻻٓ ﺃﻧﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺘﻲ ﺏِ ﺃَﺣﺪ ﺃﺑﺪﺍً ؛ ﻫَﺬﺍ ﺩﺭﺱْ ، ﻫﺬﺍ ﺫِﻛﺮﻯ ، ﻫﺬﺍ ﺻﺪﻳﻖ ﻗﺪﻳﻢ ، ﻫﺬﺍ ﻏَﺮﻳﺐ ، ﻫﺬﺍ ﻣﻤﻴّﺰ ، ﻭﺫﺍﻙ ﺣُﺐ ﺍﺑﺪﻱ ﺳَﻴﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﻗَﻠﺒﻲ !
وقَدُ تُكسًبّ فُيّ يّوِم مٱ شّخٌصِٱً يّعٱدُل كل مٱ خٌسًرتُۂ فُيّ حًيّٱتُـك كُـلهٱ .. !
اسعد الله اوقاتكم بكل خير
#علم_الأخلاق_الإسلامية
#معا_نرتقي_علي_العمري
تعليقات
إرسال تعليق