مفهوم الأخلاق الإسلامية 3

نجد الإسلام يختلف في نظريته الأخلاقية بالنسبة إلى الله عن بعض الفلاسفة مثل "كانط" الذي يرى عدم وجود هذا النوع من الأخلاقية؛ لأن الأخلاق في نظره واجبة، والواجب يقتضي سبق حق وليس للإنسان حق سابق على الله.

أما الإسلام فقد قرر أن للعباد حقا على الله كتبه الله على نفسه إذا عبدوه ولم يشركوا به أن يدخلهم الجنة، فقال الرسول: "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولم يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله عز وجل ألا يعذب من لا يشرك به شيئا"
وقال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
[سورة التوبة 111]

بل أكثر من ذلك فقد قرر الإسلام حقوقا للحيوان على الإنسان في مقابل حق تسخيرها له، قال تعالى:

(وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)
[سورة النحل 5 - 7]

هذا إلى أن الإسلام قرر الحقوق الطبيعية للحيوان، وعلى الإنسان أن يحترم هذه الحقوق، وبين الرسول "أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا سقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"
وقال عبد الله: "كنا مع رسول الله في صفر فانطلقت لحاجتي فرأيت حمرة "عصفورة" معها فرخان، فأخذت فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تعرض "تغرد حزنا" فجاء النبي فقال: "من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها" .
ثم إن الإسلام دين الرحمة جاء رحمة للعالمين، قال تعالى:

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
[سورة اﻷنبياء 107]

وعلى ذلك فلا بد من أن يقرر لكل مخلوق حي حقوقا طبيعية، وأن يوجب على الإنسان احترام هذه الحقوق، ولهذا فقد جاءت أحاديث كثيرة عن الرسول في الرفق بالحيوان فمنها أيضا ما روي عن المقداد أن الرسول قال لعائشة عندما رآها ركبت بعيرا فكانت فيه صعوبة فجعلت تردد: "عليك بالرفق فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه"
وقال: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله" .

ولقد أثار القرآن هذا التعاطف والتراحم بين الإنسان والكائنات الحية الأدنى في قوله:
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ۚ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)
[سورة اﻷنعام 38]

أما روح الأخلاق في المعاملة العامة بين الناس في جانب الشريعة الإسلامية فنجدها بصورة أوضح، ومن الأدلة الواضحة على ذلك ما نجد من اعتراف علماء الشريعة أنفسهم بهذا المفهوم، ذلك أنهم في صدد بيان مقاصد الشريعة قالوا: إن مقاصد الشريعة ثلاثة، وهي:
تحقيق الضروريات_ وتسمى الكليات الخمس ايضا_ والحاجيات والتحسينات للإنسان في هذه الحياة، والضروريات في نظرهم "هي الأمور التي لا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وبهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين ... 

ومجموع الضروريات خمس وهي: حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل".

وأما الحاجيات فهي:
الأمور التي يحتاج إليها الإنسان في هذه الحياة لرفع الضيق والحرج والمشقة التي تكون نتيجة عدم تحقيق بعض المطالب مثل:
تحقيق كل حاجيات الإنسان بشيء من السعة والرفاهية من المأكل والمشرب والملبس والمسكن وإزالة ما يؤدي إلى الضيق والحرج في بعض الظروف كالتخفيف عن المكلف بالرخص في بعض التكاليف في حالات الاضطرار، وأما التحسينات فهي اتخاذ أجمل وأحسن الأساليب في حالة معاشرة الناس ومراعاة شعورهم وإحساساتهم الأدبية..

(ما زال الموضوع مستمر...يتبع)

اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين
اللهمّ انظر إلينا نظرة رِضآ ..تَهْدِي بِهآ قُلُوُبنآ ، وتَغْفِر بِها ذنُوبنآ، وتَردّنا بِها إلَيك رَدًا جَمِيلاً ..
#علم_الأخلاق_الإسلامية
#معا_نرتقي_علي_العمري

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة