خلاصة غاية الأخلاق

من ما سبق كله نرى أن الإسلام قد حدد للإنسان عقيدة سليمة وغاية سعيدة، ثم حدد له نمطا سلوكيا في الحياة تتسق فيه العقيدة مع الغاية، وينسجم مع قوانين الحياة والدوافع الأساسية للطبيعة البشرية، وسوف يتبين هذا بصورة أوضح في الموضوعات الآتية، ثم إن هناك أمرا وهو أن الإسلام قرر أن من يسير في هذه الحياة وفقا لهذا النمط السلوكي الذي حدده هذا الدين سوف يسعد في هذه الحياة أيضا، قال تعالى:

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
[سورة النور 55]
و قال تعالى
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ)
[سورة الليل 5 - 7]

وقال تعالى: .يبين فضل التقوى
والتوكل على الله
(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)
[سورة الطلاق 2 - 3]

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من سعادة المرء حسن الخلق، ومن شقاوته سوء الخلق" ( منتخب كنز العمال على هامش مسند الإمام أحمد جـ١ ص١٢)

ويمكن أن نستخلص من هذا كله أن هدف الأخلاق في الإسلام هو السعادة.
وماهية هذه السعادة في نظره تختلف من حيث الزمان والمكان، ومن حياة إلى أخرى فالسعادة في الحياة الدنيا ليست هي سعادة الحياة الأخرى.
وإن الإسلام يستهدف تحقيق السعادة في الآخرة أكثر مما يستهدفها في الدنيا، ثم إن السعادة التي استهدفها أو أرادها لا تقتصر على جانب واحد، بل تشمل -كما رأينا- الجانب الروحي والعقلي والنفسي والحسي معا.

وكلما كان هناك اتساق بين هذه الجوانب زاد نطاق السعادة كما وكيفا.
ولكن يجب أن ننتبه هنا إلى أن الأخلاق في نظر الإسلام، وإن كانت ترمي إلى تحقيق السعادة للإنسان فإن هذا الهدف هدف الأخلاق لا هدف الذات الفاعلة، فإن هذه الذات ينبغي ألا ينحصر في تحقيق المرء السعادة لنفسه أو لغيره وإنما ينبغي أن يكون هدفه الأول هو الله وحده.

إنه يجب أن يقوم بالأعمال الأخلاقية؛ لأنه مأمور بها من قبل خالقه، وأن يقصد بها وجهه لا وجه أحد ولا وجه السعادة أو تحقيق السعادة، هذا القصد الخالص لوجه الله من السلوك في هذه الحياة هو العبادة الخالصة التي جعلها الله الغاية من خلق الإنسان، مصداق ذلك قوله تعالى:
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
[سورة الذاريات 56]

وقال تعالى:
(وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)
[سورة الرعد 22]

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له"
( منتخب كنز العمال في هامش مسند الإمام أحمد جـ١ ص ١٣٥٣، وفي رواية "إلا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه"، الجامع الصغير جـ١ص٧٤)

وكما قلنا: إذا أخلص الإنسان حياته كلها لله كما قال تعالى:
(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)
[سورة اﻷنعام 162 - 163]

وإذا أسلم الإنسان بهذه الصورة يعد كل سلوكه عبادة يؤجر مقابل كل ما يصاب به في الحياة، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما يصاب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" ( هداية الباري إلى ترتيب أحاديث البخاري جـ١ ص ١٢٣)

وهذا يقتضي أن يكون صبورا لنيل الثواب، كما يكون صبورا لمكاسب الدنيا.
وسيأتي تفصيل هذه النقطة الأخيرة بصورة أوضح في الحلقات المقبلة إن شاء الله.
[ اتمننا غاية الأخلاق]  
موضوعنا القادم بإذن الله مجالات الأخلاق...انتظرونا
#علم_الأخلاق_الإسلامية
#معا_نرتقي_علي_العمري

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة